إرمينيا ديل أورو: أحاول تبديد الصورة المشوّهة عن أفريقيا

يوسف وقاص
.

مرهفة وبارعة في وصف الأماكن والأشخاص، فيمكنك أن تتنفس روائح التوابل في رواياتها، وأن ترى السماء الصافية والألوان الحمراء لأرض منبتها الأفريقي، وتجلس وجهًا لوجه مع رجال ونساء بملامحهم الناعمة ونظراتهم التي تحمل دفء آمال لم تبرح عيونهم أبدًا. ومثلها مثل إليسا كيداني وريبكا سبحاتو وإجابا شيخو وكريستينا علي فرح وماريا أبيبي فيارينغو وغابرييلا غيرماندي، تنحدر إرمينيا ديل أورو من مستعمرة إيطالية سابقة وتكتب بالإيطالية، لغتها الأم.

تُعدّ ديل أورو، وفقًا لتعريف دانييل كومبرياتي، مدرس الآداب الإيطالية في جامعة مونتبلييه، كاتبة “ما بعد الحقبة الكولونيالية”، قادمة من “الضفة الرابعة”. فالمصطلح الأول يشير إلى القضايا التي تتناولها أعمالها وخاصة علاقة إيطاليا بالمستعمرات السابقة وعواقب سياستها الاستعمارية السابقة، بينما المصطلح الثاني، الضفة الرابعة، فهو الذي كانت تستخدمه الدعاية الفاشية للإشارة إلى مستعمرة ليبيا الإيطالية آنذاك، وبالتالي إلى المستعمرات الأخرى في القرن الأفريقي، وذلك كإضافة إلى الضفاف الثلاث لإيطاليا: الأدرياتيكية والتيرانية والأيونية.

ولكن، على عكس الكتّاب المذكورين، فإن إرمينيا ديل أورو، مع لوتشيانا كابريتّي المولودة في ليبيا، هي الوحيدة التي تنحدر من أصول إيطالية؛ لذلك فهي تنتمي بالكامل إلى المُسْتعِمرين وليس للمُسْتعَمْرين. حالة خاصة جدًا في الأدبيات الأفريقية مثل وول سوينكا أو شينوا أشيبي أو عبد الرزاق قرنح أو نغوجي واثيونغو على سبيل المثال لا الحصر. ومع ذلك، فإن صوتها، الذي جاء من “الضفة الرابعة”، كان ضروريًا للتعرّف على رؤية مختلفة وأقل مثالية للاستعمار الإيطالي.

ولدت إرمينيا ديل أورو في عام 1938 لأبوين إيطاليين، لويجي ديل أورو وجوكوندا فيسبا، في مدينة أسمرة، إريتريا، أولى المستعمرات الإيطالية، حيث استقر جدها كارلو ديل أورو، الذي جاء من ليكّو، في وقت مبكر من عام 1896، وهي الأولى من بين أربعة أولاد.

في السنوات التي وصل فيها جدها إلى أسمرة لم تكن المدينة موجودة ولم تكن عاصمة للبلاد بعد. في تلك السنوات كانت العاصمة مصوع، بينما أسمرة كانت لا تزال قرية صغيرة. كان الجدّ قد قرر الذهاب إلى الكونغو البلجيكية، ولكن عندما وصل إلى مصوع، وُضعت السفينة في الحجر الصحي بسبب انتشار وباء الحمى الصفراء. عندما تمكن أخيرًا من النزول إلى البرّ، قرر البقاء في مستعمرة إريتريا الإيطالية. “وهكذا فيليبو”، اسم جدّها في الرواية، “اشترى بغلًا ليذهب إلى هضبة يسكنها ربيع أبدي تعلو قمتها بلدة صغيرة تجاور السماء، إنها أسمرة”. سيرة ذاتية في قالب روائي، يتم سردها من خلال تاريخ العائلة المتشابك مع تاريخ بداية الاستعمار الإيطالي للقرن الأفريقي.

أسمرة، المدينة الصغيرة الواقعة على هضبة على ارتفاع 2400 متر فوق مستوى سطح البحر، كانت تشكل، ببنيتها التحتية وازدهارها الصناعي والاقتصادي، نقطة جذب للمهاجرين الإيطاليين، أو المستعمرين الجدد، إذ كان وجودهم في ذلك الوقت قويًا للغاية. وفقًا لإحصاء عام 1939، كان عدد سكانها 98000 نسمة، منهم 53000 إيطالي. لذلك، ستظل أسمرة الطفولة دائمًا أرضًا ساحرة لإرمينيا، بمناظرها الطبيعية الخلابة: جزر دهلك وبحرها المرجاني، والمشي عبر قاع نهر أنسيبا الجاف، والرحلات إلى شيرين لزيارة سوق الإبل يوم الاثنين والمبيت في ” فندق صقلية”، نزهات أهيبو، الرحلات من أسمرة إلى مصوع، حيث عاش الأجداد بين الجبال المغطاة بالاجاص الشائك والتي تسكنها قرود الرُبَّاح أو البابون.

عن موداي موداينا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *